Saturday, March 27, 2010

جيل لن يتكرر

أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه قال عمر: ما هذا قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا قتل أبانا قال: أقتلت أباهم ؟ قال: نعم قتلته! قال: كيف قتلتَه ؟ قال: دخل بجمله في أرضي، فزجرته، فلم ينزجر، فأرسلت عليه حجراً، وقع على رأسه فمات... قال عمر: القصاص... الإعدام.. قرار لم يكتب.. وحكم سديد لا يحتاج مناقشة، لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل، هل هو من قبيلة شريفة؟ هل هو من أسرة قوية؟ ما مركزه في المجتمع؟ كل هذا لا يهم عمر - رضي الله عنه - لأنه لا يحابي أحداً في دين الله، ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله، ولو كان ابنه القاتل، اقتص منه.. قال الرجل: يا أمير المؤمنين: أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني ليلة، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني، ثم أعود إليك، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا قال عمر: من يكفلك أن تذهب إلى البادية، ثم تعود إليَّ؟ فسكت الناس جميعاً، إنهم لا يعرفون اسمه، ولا خيمته ، ولا داره ولا قبيلته ولا منزله، فكيف يكفلونه، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض، ولا على ناقة، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف.. ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله؟ ومن يشفع عنده ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه؟ فسكت الصحابة، وعمر مُتأثر، لأنه وقع في حيرة، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل، وأطفاله يموتون جوعاً هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة، فيضيع دم المقتول، وسكت الناس، ونكّس عمر رأسه، والتفت إلى الشابين: أتعفوان عنه؟ قالا: لا، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين.. قال عمر: من يكفل هذا أيها الناس؟!! فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده، وصدقه، وقال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله قال عمر: هو قَتْل، قال: لو كان قاتلا! قال: أتعرفه؟ قال: ما أعرفه، قال: كيف تكفله؟ قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين، فعلمت أنه لا يكذب، وسيأتي إن شاءالله.. قال عمر: يا أبا ذرّ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك! قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين.. فذهب الرجل، وأعطاه عمر ثلاث ليال، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده، ثم يأتي، ليقتص منه لأنه قتل...وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد، يَعُدّ الأيام عداً، وفي العصرنادى في المدينة: الصلاة جامعة، فجاء الشابان، واجتمع الناس، وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: ما أدري يا أمير المؤمنين! وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها، وسكت الصحابة واجمين، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله. صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد لكن هذه شريعة، لكن هذا منهج، لكن هذه أحكام ربانية، لا يلعب بها اللاعبون ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف وعلى أناس دون أناس، وفي مكان دون مكان.. وقبل الغروب بلحظات، إذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر، وكبّر المسلمون معه فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك، ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك!! قال: يا أمير المؤمنين، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى!! ها أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية، وجئتُ لأُقتل.. وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟ فقال أبو ذر: خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس فوقف عمر وقال للشابين: ماذا تريان؟ قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه.. وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس! قال عمر: الله أكبر، ودموعه تسيل على لحيته... جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما، وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته، وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك.. وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك و رحمتك... قال أحد المحدثين: والذي نفسي بيده، لقد دُفِنت سعادة الإيمان والإسلام في أكفان عمر!!
قلت: عندما خشى الكل من ذهاب مكارم الأخلاق.. كانت النتيجة هذا البلاء الحسن وهذا القصص الرائع.. نسأل الله أن يردنا لدينه رداً جميلاً
سعيد بن عامر الجـُمحي
صحابي جليل ولاه سيدنا عمر بن الخطاب على حمص وبعد ذلك أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها، فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه. فقال: كيف وجدتم أميركم؟ فشكوه إليه وذكروا أربعا ً من أفعاله كل واحد منها أعظم من الآخر. قال عمر: فجمعت بينه وبينهم، ودعوت الله ألا يـُخيب ظنى فيه، فقد كنت عظيم الثقة به. فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم، قلت: ما تشكون من أميركم؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. فقلت وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ فسكت قليلا ً، ثم قال: والله إنى كنت أكره أن أقول ذلك، أما وأنه لا بد فإنه ليس لأهلى خادم، فأقوم فى كل صباح فأعجن لهم عجينهم، ثم أتريث قليلا ً حتى يختمر، ثم أخبزه لهم، ثم أتوضأ وأخرج للناس. قال عمر: فقلت لهم: وما تشكون منه أيضا ً؟ قالوا: إنه لا يجيب أحدا ً بليل. قلت: وما تقول فى ذلك يا سعيد؟ قال: إني والله كنت أكره أن أعلن عن هذا أيضا... فأنا قد جعلت النهار لهم، والليل لله عز وجل. قلت: وما تشكون منه أيضا ً؟ قالوا: إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر. قلت وما هذا يا سعيد؟ قال: ليس لي خادم يا أمير المؤمنين، وليس عندي ثياب غير التي عليّ، فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف، ثم أخرج إليهم في آخر النهار. ثم قلت: وما تشكون منه أيضا ً؟ قالوا: تصيبه من حين إلى آخر غـشية فيتغيب عمن في مجلسه. فقلت وما هذا يا سعيد؟ فقال: شهدت مصرع خبيب بن عدى وأنا مشرك، ورأيت قريشا ً تقطع جسده وهى تقول له: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ فيقول والله ما أحب أن أكون آمنا ً في أهلي وولدي، وأن محمدا ً تشوكه شوكة.. وإنى والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أنى تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي.. وأصابتني تلك الغشية. عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذى لم يخيب ظنى به.
لله درهم من جيل قرآني فريد


منقــــــــــــــــــــــــــــول للإفـــــــــــــــــــــــــــادة

No comments: