Thursday, July 12, 2007

نحو مجتمع إسلامي جديد

لقد أرسى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم -المبعوث رحمة للعالمين كافة- أرسى دعائم تكوين المجتمع الصحيح بعد أن كانت الجزيرة العربية تتمرغ في جهاليات فكرية، وإقتصادية، وسياسية، ولم تكن سائر الأقوام والشعوب في أرجاء المعمورة أحسن حالا، ولكنها كانت عليلة بأمراض مزمنة وخزعبلات متوطنة تختلف بإختلاف المكان، ولذا كانت هذه الدعوة بأمر من الله جلا وعلا، العالم بأحوال البلاد والعباد، جعلها على خلاف الرسالات السابقة للعالمين كافة.
تجذرت دعائم الرسالة الخاتمة في حوالي 23 عام متمركزة على عاملين أساسين قامت عليها الدولة الإسلامية الشامخة وإنتشرت في صورة تدريجية يشهد لها الأعداء قبل الأصدقاء بالعبقرية المجردة، والتي لا تفسر بالمنظور الإسلامي إلا بالدعم الإلهي للمجهود البشري الآخذ بالأسباب.
كانت الدعامة الأولى التي أولاها المصطفي الرعاية المطلقة في حوالي 13 عام في مكة، هي التركيز على الجانب العقائدي والعنصر الروحي لبناء جيل المسلمين الأول. فقد تركزت الدعوة في توحيد الربوبية (لا خالق إلا الله) وتوحيد العبودية (لا معبود إلا الله) في عصر طغت فيها المادية وتعددت فيها الآلهة. ولعل أولوية هذه الدعامة جاءت من كونها العنصر الأساسي لخلق الإنسان، والقاسم المشترك مع مختلف الأديان والدعوات السابقة، كما أنها علاقة بين العبد وربه ولا يخول لأي إنسان – مهما كان حتى ولو كان نبي مرسل - أن يحكم بها على آخر، وهنا نستشهد بقول الرسول ص "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" ويقول مستنكرا لأسامة بعدما قتل مشركا يشهد خوفا من سلاحه "هلا شققت عن قلبه!!". وتعتبر دعامة العقيدة هي حامي حمي الفرد المسلم في معترك الحياة وأمام النوازل والمحن ليعلم دائما بيقين أنه على الحق المبين ومهما طالت الآجال فله الغلبة والتمكين وبذلك كانت الأولوية لها.
ثم بدأت قواعد إرساء الدعامة الثانية في المدينة مع إقامة الدولة الإسلامية في صورة الأوامر والنواهي (الشريعة) لتنظم الحياة والمعاملات بكافة أنواعها سواء كانت بين المسلم وأخيه أو بين المسلم وغير المسلم. لم تترك الشريعة الإسلامية شيئا إلا وقضت فيه (ما فرطنا في الكتاب من شئ)، كما قام الرسول ص بالمثال والتفصيل، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده الذين شربوا منه هذا المنهج ليفتحوا بابا مهما وهو الإجتهاد في حال الخلاف أو غياب النصوص الصريحة. إن الغرض الأساسي من إرساء الشريعة هو قيام العدل بين الناس، وهداية البشرية للفطرة السمحاء، فلا يمتثل لسلسلة الأوامر والنواهي إلا ذووا العقيدة الثابتة بأن هذا الدين إنما جاء لصالحه ولصالح المجتمع كله حتى يكون الإنسان بحق هو خليفة الله في الأرض. وقد وكل الشارع لخليفة المسلمين بالحكم على المسلم بضوابط الشريعة (إن الحكم إلا لله)، وضبطها إذا إنحرف ليعود كما كان على الصراط المستقيم.
ويمكن الإيجاز بأن العقيدة هي روح الدين وحكم الله على المخلوق في الآخرة، والشريعة هي العمل الصالح من الإلتزام بالأوامر وترك النواهي وهي حكم المجتمع متمثلة في خليفتهم الذي يحكم بما أنزل الله. والعقيدة والشريعة متلازمان لا يمكن فصلهما كالروح والجسد كي يستوي المجتمع ويكون به منهج دنيا ودين. فكما بدأ الله خلق آدم جسدا وسواه ثم نفخ فيه من روحه ليكون خليفته في الأرض، فلابد من الإهتمام بالمكونين ليكون الإنسان خليقا بالتكريم الذي منحه الله إياه. وقد جمع القرآن الكريم بين العقيدة متمثلة في الإيمان (ما وقر في القلب وصدقه العمل) والعمل الصالح في مواضع عديدة (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ليرسخ في الأذهان ضرورة هذا الدمج والإقتران بين دعامتي هذا الدين.
وحيث أن الإسلام بدأ غريبا وأصبح مستغربا، فلابد من إعادة البناء. فكما بدأ البناء بالعقيدة وإنتهى بالتشريع، يجب أن توجه هذه الدعوة بنفس التسلسل لإصلاح المسلمين الجدد، وعندما تنتفي الغرابة من المجتمع ويصبح عنصري العقيدة والشريعة هما روح وجسد هذه الأمة، تطبيقا عمليا في جميع نواحي الحياة – ليس شعارات وهتافات - في هذا الوقت فقط سيخلف الله جل وعلا فيها من أبنائها من يقوم بأمرها لتنسيق العمل الدنيوي والقيام على مصالحها "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وكما كتب النجاح أول مرة بالرغم من صعوبتها حيث كان المناخ يغلبه الجاهلية المتجذرة والبشر ما فيهم من فظاظة وغلظة وليس لهم سبق عهد بجوهر الدين – اللهم إلا قلة قليلة من آثار الرسالات المحرفة – وكما كتب للدعوة النجاح في وقت قياسي بالرغم من كل هذه الظروف، فسيكتب لها النجاح – إن شاء الله أقولها تحقيقا لا تعليقا – سيكتب لها النجاح مرة أخرى ومرات عديدة طالما جدت المحاولات وصدقت النيات. إن اليقين من هذا النجاح مبعثه عوامل عدة أولاها أنها تجارة مع الله لدين الله، وثانيها هذا الرصيد الهائل من المعلوماتية الإسلامية التي خلفتها الدعوة الأم بين المسلمين وغير المسلمين، فالمسلمون لا يحتاجون إلا إلى تعلم التطبيق، وغير المسلمين يفتقدون لرؤية الأمثلة والبيانات العملية بعيدا عن الشعارات الخاوية والكلمات الفضفاضة. وثالث هذه العوامل أنه دين الفطرة الذي تستقيم مع جميع نواميس الحياة ليكون الإنسان أهلا لخلافة الله في الأرض ولينعم بما رزقه الله فيها من الطيبات من الرزق.

No comments: