Saturday, July 7, 2007

الإستشراق والتغريب - منظور علمي تطبيقي

من أسس فنون المعاملات الإنسانية أنه عند محاورة شخص ما (الغير- الآخر) سواء كان عدوا أو صديقا، وجوب معرفة كاملة لأهم مفاتيح شخصيته، وثبر أعماقه المعرفية، واهتماماته وما يحبه أو يكرهه، وذلك بغرض القدرة على فهمه وكذلك للحصول على أعلى درجة ممكنة من التواصل وذلك لإفادته أو الاستفادة منه أو حتى للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في حالات النزاع على الأمور المادية.

ربما كانت هذه المعرفة والدراية الغرض الأساسي لظاهرة الإستشراق التي بدأت منذ أمد بعيد غير محدد النشأة، وكانت متمثلة في بدايات القرن المنصرم في صورة إرسال أفراد غربيين لهم إهتمامات بدراسة الظروف الحياتية المعاصرة للشرق، أو بالتحليل العلمي والنقدي لقصص الأفراد الذين عملوا كخبراء في مناطقنا الشرقية أو الذين جاؤا كمرافقين مع الحملات الاستعمارية مدعين بذلك نشهر النهضة والحضارة. أما الآن فلقد أخذت هذه الظاهرة أشكالا كثيرة في عصر العولمة وتطور وسائل الإتصال عن طريق أقمار التجسس الصناعية، والوكالات الإستخباراتية، كما أن الدعاية ومراكز الأبحاث والدراسات الغربية وإن كان ظاهرها المساعدات التقنية والمشاركات البحثية والعلمية إلا أنها تعتبر شكلا آخر للإستشراق.

إن هذا النوع من العلم المنوط بدراسة الغير والتركيز في أعماقه بالبحث العلمي المنظم هو أفضل وسيلة لنجاح الخطاب مع الإستعمار والغزو الحديث الذي يسعى لتحقيق مصالح شخصيه مدعيا نشر الديمقراطية والحضارة للعالم الثالث. هذه الدراسة النفسية يمكن أيضا تطبيقها في التعامل بين الأفراد ولكن بقليل من الفلسفة العلمية وهذا ما يعرف بالذكاء الوجداني، كما يعرف هذا العلم عند السياسيين بعلم التفاوض أو الدبلوماسية .

لذلك يجب على النخبة من المثقفين والسياسيين في عالمنا الإسلامي العربي – وقد وصلنا إلى درجة منحطة من التقدم العلمي والعلوم حيث غلب علينا ثقافة الإستهلاك – يجب علينا جميعا وضع الخطط المحكمة لدراسة الغير (الغربي – الأمريكي) كي نحسن محاورته، وربما إنتزاع مصالحنا من بين أنيابه، ونقل التقنية العالية من جذورها ودراستها وأيضا تطويرها. إن المحاولات الأولى للتواصل مع الغرب عن طريق إرسال المتفوقين علميا في صورة بعثات للغرب لم تدرس ولم توجه بالشكل المنهجي للإستفادة منها على المستويين الشخصي والقومي، حيث انحرف الغرض منها وتم تضليلها فسارت في إتجاهات غير مفيدة للجميع. بعض النوابغ تم توجيههم إلى دراسة العلوم الإنسانية (مثل علم الكلام والأدب، والمنطق والفلسفة) التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولعل الحضارة الإسلامية لم تكن في حاجة لمثل هذه العلوم، كما قد أساءت هذه الدراسات إلى بعض الدارسين مثل إنبهارهم بالحضارة والحرية الغربية المزيفة وفي بعض الأحيان إلى تشويش عقيدتهم. ولو فرضنا أن بعض الدارسين اهتموا بما يحتاج إليه المجتمع من علوم وتقنية حديثه أو طب وهندسة، فهناك من وصل به الأمر إلى فقدانه لهويته ورغبته للإستمرار في غربته دون أي إضافة لوطنه الأم ولربما أخذ يدافع عن عالمه الجديد أو كان أداة للمشاركة في التخطيط الهادف من الغرب لغزو وطنه الأم سواءا فكريا أو إقتصاديا أو حتى عسكريا. أما أقل هؤلاء العقول ضررا على الأوطان (ولكنه مازال مقصرا في نظري) كان الذي عاد دون جدوى من دراسته، إما لعدم الإهتمام القومي بالمسألة المدروسة نتيجة سوء التخطيط أو الإهتمام الفردي بالمصالح الشخصية.

إن التواصل الهادف مع الغرب في صورة إبتعاث هو أمر مهم وجد خطير، ولكن لابد أن يكون له ضوابط وقوانين صارمة لتعم الفائدة للمجتمع والأجيال القادمة وإلا فلن تكون سوى مجرد نقلات نوعية وتجارب شخصية لبعض الأفراد تذكر في سيرتهم الذاتية للزهو على الأتراب أو للرغبة في تبؤ المقاعد والألقاب.

No comments: