Thursday, July 26, 2007

التعلم والمعرفة في الإسلام

التعلم هو الإلمام بالجزء الظاهري من الأشياء وهو يعتمد بصورة أساسية على خارج الذات، أما المعرفة فهي أشمل من التعلم حيث تعني الإدراك الشامل للأشياء بمدلولاتها وهي تعتمد على التفاعل بين العوامل الخارجية وداخل الذات.
وللتوضيح فإن تعلم الصلاة هو أداء أركانها من تكبير وحركات وتلاوة، أما معرفة الصلاة فهي تعني أداء الصلاة مع الخشــــوع فيها. كما أن شقي الدين الإسلامي من عادات (معاملات) وعبادات يمكن أن يطبق عليه الفرق بين التعلم والمعرفة، حيث أن الأول يعطى بالتعلم وهو ضروري في الأساس ويكون ملموسا ماديا، أما الثاني فهو درجة متقدمة من التعلم التي تسلتزم تفاعل النفس واستحضار النية (الروحانيات). فالعادات والمعاملات لابد أن تعلم منذ نعومة أظافر الطفل والذي بدوره يعرف الجانب الروحي للعبادات عند الكبر مع التوجيه والإرشاد ليكتمل شقي العقيدة الإسلامية في وحدة واحدة لا تتجزأ كي تتحقق العبودية لله وحده التي هي أصل التوحيد وبذلك تكون مرآة للخالق في أرقى مخلوقاته وهو الإنسان.
فإذا قلنا أن فلانا عالم فهو مدرك لظواهر الأمور دون التفاعل أو التحيز لها وقد يكون عالما في العلوم الدنيوية أو كعلم الفلسفة والكلام في الدين الذي لا يزيد عن دراسة مدلولات الألفاظ، وهذا الأخير قد انتقل من الغرب مع ثورة الترجمة والنقل، ورضي الله عن الإمام الشافعي عندما قال: لا يستحق أهل الكلام إلا الضرب بالنعال، أو كما قالو: من تمنطق في الدين فقد تزندق. أما العارف بالله فهو الذي تعلم الدين وتفاعل بروحه معه وجعل سلوكه وعباداته خالصة لوجه الله تعالى، وأصبح نموذجا للقرآن يمشي على الأرض.
إن العقيدة الإسلامية عبارة عن توازن دقيق بين السلوكيات (العادات والمعاملات) التي تخضع للحكم والتقييم حيث أنها في حدود الإدراك البشري والروحانيات (العبادات) التي تمثل شيئا غيبيا بين العبد وربه فلا يمكن لبشر أن يقيمها لآخر. فالدين الإسلامي لا يقبل للنسان أن يكون منضبطا سلوكيا فحسب كما في المجتمعات المادية، بل يؤكد دوما على إستثارة النوايا الداخلية (الروحانيات) ليكون عملا مأجورا من الله سبحانه وتعالى. كما لا يقبل الدين الإسلامي أن يكون علاقته بالإنسان متمحور في غيبيات بحتة بدون إرساء الضوابط الظاهرية التي تنظمه وفي نفس الوقت تدركها وتعيها النفس البشرية.
خلاصة القول أن الدين الإسلامي يحترم العقل ويعظم الروح ليجعل الإنسان أكرم مخلوقات الله كما أراد لها ذلك. كما يشجع الدين الإسلامي على الأخذ بكل أسباب التعلم في شتى المجالات النافعة مع تجديد النية وإخلاصها لله، كما يحض على الرياضة الروحية الموجه الرئيس لصالح الأعمال.

Thursday, July 12, 2007

نحو مجتمع إسلامي جديد

لقد أرسى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم -المبعوث رحمة للعالمين كافة- أرسى دعائم تكوين المجتمع الصحيح بعد أن كانت الجزيرة العربية تتمرغ في جهاليات فكرية، وإقتصادية، وسياسية، ولم تكن سائر الأقوام والشعوب في أرجاء المعمورة أحسن حالا، ولكنها كانت عليلة بأمراض مزمنة وخزعبلات متوطنة تختلف بإختلاف المكان، ولذا كانت هذه الدعوة بأمر من الله جلا وعلا، العالم بأحوال البلاد والعباد، جعلها على خلاف الرسالات السابقة للعالمين كافة.
تجذرت دعائم الرسالة الخاتمة في حوالي 23 عام متمركزة على عاملين أساسين قامت عليها الدولة الإسلامية الشامخة وإنتشرت في صورة تدريجية يشهد لها الأعداء قبل الأصدقاء بالعبقرية المجردة، والتي لا تفسر بالمنظور الإسلامي إلا بالدعم الإلهي للمجهود البشري الآخذ بالأسباب.
كانت الدعامة الأولى التي أولاها المصطفي الرعاية المطلقة في حوالي 13 عام في مكة، هي التركيز على الجانب العقائدي والعنصر الروحي لبناء جيل المسلمين الأول. فقد تركزت الدعوة في توحيد الربوبية (لا خالق إلا الله) وتوحيد العبودية (لا معبود إلا الله) في عصر طغت فيها المادية وتعددت فيها الآلهة. ولعل أولوية هذه الدعامة جاءت من كونها العنصر الأساسي لخلق الإنسان، والقاسم المشترك مع مختلف الأديان والدعوات السابقة، كما أنها علاقة بين العبد وربه ولا يخول لأي إنسان – مهما كان حتى ولو كان نبي مرسل - أن يحكم بها على آخر، وهنا نستشهد بقول الرسول ص "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" ويقول مستنكرا لأسامة بعدما قتل مشركا يشهد خوفا من سلاحه "هلا شققت عن قلبه!!". وتعتبر دعامة العقيدة هي حامي حمي الفرد المسلم في معترك الحياة وأمام النوازل والمحن ليعلم دائما بيقين أنه على الحق المبين ومهما طالت الآجال فله الغلبة والتمكين وبذلك كانت الأولوية لها.
ثم بدأت قواعد إرساء الدعامة الثانية في المدينة مع إقامة الدولة الإسلامية في صورة الأوامر والنواهي (الشريعة) لتنظم الحياة والمعاملات بكافة أنواعها سواء كانت بين المسلم وأخيه أو بين المسلم وغير المسلم. لم تترك الشريعة الإسلامية شيئا إلا وقضت فيه (ما فرطنا في الكتاب من شئ)، كما قام الرسول ص بالمثال والتفصيل، وجاء الخلفاء الراشدون من بعده الذين شربوا منه هذا المنهج ليفتحوا بابا مهما وهو الإجتهاد في حال الخلاف أو غياب النصوص الصريحة. إن الغرض الأساسي من إرساء الشريعة هو قيام العدل بين الناس، وهداية البشرية للفطرة السمحاء، فلا يمتثل لسلسلة الأوامر والنواهي إلا ذووا العقيدة الثابتة بأن هذا الدين إنما جاء لصالحه ولصالح المجتمع كله حتى يكون الإنسان بحق هو خليفة الله في الأرض. وقد وكل الشارع لخليفة المسلمين بالحكم على المسلم بضوابط الشريعة (إن الحكم إلا لله)، وضبطها إذا إنحرف ليعود كما كان على الصراط المستقيم.
ويمكن الإيجاز بأن العقيدة هي روح الدين وحكم الله على المخلوق في الآخرة، والشريعة هي العمل الصالح من الإلتزام بالأوامر وترك النواهي وهي حكم المجتمع متمثلة في خليفتهم الذي يحكم بما أنزل الله. والعقيدة والشريعة متلازمان لا يمكن فصلهما كالروح والجسد كي يستوي المجتمع ويكون به منهج دنيا ودين. فكما بدأ الله خلق آدم جسدا وسواه ثم نفخ فيه من روحه ليكون خليفته في الأرض، فلابد من الإهتمام بالمكونين ليكون الإنسان خليقا بالتكريم الذي منحه الله إياه. وقد جمع القرآن الكريم بين العقيدة متمثلة في الإيمان (ما وقر في القلب وصدقه العمل) والعمل الصالح في مواضع عديدة (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ليرسخ في الأذهان ضرورة هذا الدمج والإقتران بين دعامتي هذا الدين.
وحيث أن الإسلام بدأ غريبا وأصبح مستغربا، فلابد من إعادة البناء. فكما بدأ البناء بالعقيدة وإنتهى بالتشريع، يجب أن توجه هذه الدعوة بنفس التسلسل لإصلاح المسلمين الجدد، وعندما تنتفي الغرابة من المجتمع ويصبح عنصري العقيدة والشريعة هما روح وجسد هذه الأمة، تطبيقا عمليا في جميع نواحي الحياة – ليس شعارات وهتافات - في هذا الوقت فقط سيخلف الله جل وعلا فيها من أبنائها من يقوم بأمرها لتنسيق العمل الدنيوي والقيام على مصالحها "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". وكما كتب النجاح أول مرة بالرغم من صعوبتها حيث كان المناخ يغلبه الجاهلية المتجذرة والبشر ما فيهم من فظاظة وغلظة وليس لهم سبق عهد بجوهر الدين – اللهم إلا قلة قليلة من آثار الرسالات المحرفة – وكما كتب للدعوة النجاح في وقت قياسي بالرغم من كل هذه الظروف، فسيكتب لها النجاح – إن شاء الله أقولها تحقيقا لا تعليقا – سيكتب لها النجاح مرة أخرى ومرات عديدة طالما جدت المحاولات وصدقت النيات. إن اليقين من هذا النجاح مبعثه عوامل عدة أولاها أنها تجارة مع الله لدين الله، وثانيها هذا الرصيد الهائل من المعلوماتية الإسلامية التي خلفتها الدعوة الأم بين المسلمين وغير المسلمين، فالمسلمون لا يحتاجون إلا إلى تعلم التطبيق، وغير المسلمين يفتقدون لرؤية الأمثلة والبيانات العملية بعيدا عن الشعارات الخاوية والكلمات الفضفاضة. وثالث هذه العوامل أنه دين الفطرة الذي تستقيم مع جميع نواميس الحياة ليكون الإنسان أهلا لخلافة الله في الأرض ولينعم بما رزقه الله فيها من الطيبات من الرزق.

Saturday, July 7, 2007

الإستشراق والتغريب - منظور علمي تطبيقي

من أسس فنون المعاملات الإنسانية أنه عند محاورة شخص ما (الغير- الآخر) سواء كان عدوا أو صديقا، وجوب معرفة كاملة لأهم مفاتيح شخصيته، وثبر أعماقه المعرفية، واهتماماته وما يحبه أو يكرهه، وذلك بغرض القدرة على فهمه وكذلك للحصول على أعلى درجة ممكنة من التواصل وذلك لإفادته أو الاستفادة منه أو حتى للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في حالات النزاع على الأمور المادية.

ربما كانت هذه المعرفة والدراية الغرض الأساسي لظاهرة الإستشراق التي بدأت منذ أمد بعيد غير محدد النشأة، وكانت متمثلة في بدايات القرن المنصرم في صورة إرسال أفراد غربيين لهم إهتمامات بدراسة الظروف الحياتية المعاصرة للشرق، أو بالتحليل العلمي والنقدي لقصص الأفراد الذين عملوا كخبراء في مناطقنا الشرقية أو الذين جاؤا كمرافقين مع الحملات الاستعمارية مدعين بذلك نشهر النهضة والحضارة. أما الآن فلقد أخذت هذه الظاهرة أشكالا كثيرة في عصر العولمة وتطور وسائل الإتصال عن طريق أقمار التجسس الصناعية، والوكالات الإستخباراتية، كما أن الدعاية ومراكز الأبحاث والدراسات الغربية وإن كان ظاهرها المساعدات التقنية والمشاركات البحثية والعلمية إلا أنها تعتبر شكلا آخر للإستشراق.

إن هذا النوع من العلم المنوط بدراسة الغير والتركيز في أعماقه بالبحث العلمي المنظم هو أفضل وسيلة لنجاح الخطاب مع الإستعمار والغزو الحديث الذي يسعى لتحقيق مصالح شخصيه مدعيا نشر الديمقراطية والحضارة للعالم الثالث. هذه الدراسة النفسية يمكن أيضا تطبيقها في التعامل بين الأفراد ولكن بقليل من الفلسفة العلمية وهذا ما يعرف بالذكاء الوجداني، كما يعرف هذا العلم عند السياسيين بعلم التفاوض أو الدبلوماسية .

لذلك يجب على النخبة من المثقفين والسياسيين في عالمنا الإسلامي العربي – وقد وصلنا إلى درجة منحطة من التقدم العلمي والعلوم حيث غلب علينا ثقافة الإستهلاك – يجب علينا جميعا وضع الخطط المحكمة لدراسة الغير (الغربي – الأمريكي) كي نحسن محاورته، وربما إنتزاع مصالحنا من بين أنيابه، ونقل التقنية العالية من جذورها ودراستها وأيضا تطويرها. إن المحاولات الأولى للتواصل مع الغرب عن طريق إرسال المتفوقين علميا في صورة بعثات للغرب لم تدرس ولم توجه بالشكل المنهجي للإستفادة منها على المستويين الشخصي والقومي، حيث انحرف الغرض منها وتم تضليلها فسارت في إتجاهات غير مفيدة للجميع. بعض النوابغ تم توجيههم إلى دراسة العلوم الإنسانية (مثل علم الكلام والأدب، والمنطق والفلسفة) التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولعل الحضارة الإسلامية لم تكن في حاجة لمثل هذه العلوم، كما قد أساءت هذه الدراسات إلى بعض الدارسين مثل إنبهارهم بالحضارة والحرية الغربية المزيفة وفي بعض الأحيان إلى تشويش عقيدتهم. ولو فرضنا أن بعض الدارسين اهتموا بما يحتاج إليه المجتمع من علوم وتقنية حديثه أو طب وهندسة، فهناك من وصل به الأمر إلى فقدانه لهويته ورغبته للإستمرار في غربته دون أي إضافة لوطنه الأم ولربما أخذ يدافع عن عالمه الجديد أو كان أداة للمشاركة في التخطيط الهادف من الغرب لغزو وطنه الأم سواءا فكريا أو إقتصاديا أو حتى عسكريا. أما أقل هؤلاء العقول ضررا على الأوطان (ولكنه مازال مقصرا في نظري) كان الذي عاد دون جدوى من دراسته، إما لعدم الإهتمام القومي بالمسألة المدروسة نتيجة سوء التخطيط أو الإهتمام الفردي بالمصالح الشخصية.

إن التواصل الهادف مع الغرب في صورة إبتعاث هو أمر مهم وجد خطير، ولكن لابد أن يكون له ضوابط وقوانين صارمة لتعم الفائدة للمجتمع والأجيال القادمة وإلا فلن تكون سوى مجرد نقلات نوعية وتجارب شخصية لبعض الأفراد تذكر في سيرتهم الذاتية للزهو على الأتراب أو للرغبة في تبؤ المقاعد والألقاب.